14 - 10 - 2024

صباحيات | البداية الجديدة يجب أن تنطلق من الواقع وتحدياته

صباحيات | البداية الجديدة يجب أن تنطلق من الواقع وتحدياته

مبادرة "بداية جديدة لبناء الإنسان المصري" الرئاسية التي انطلقت في السابع من سبتمبر الجاري والتي تستهدف بناء مجتمع متقدم ومتكامل، تصور مثالي لما يطمح إليه المصريون جميعاً، ولا يمكن لأحد أن يختلف على الأهداف المرجو تحقيقها من هذه المبادرة، ربما يكون هناك اختلاف حول الأولويات التي تحدد بأي من هذه المستهدفات نبدأ.. ولأن السياسة في أحد تعريفاتها، هي "فن الممكن"، فإن السؤال يصبح ما هي الأهداف التي يمكن تحقيقها أولاً، فقابلية الهدف للتحقيق في مدى زمني محدد قد تكون أحد المعايير المهمة في توجيه الآليات التنفيذية للمبادرة الرئاسية، قد يكون أحد المعايير الأخرى، هو أن نضع أيدينا على المشكلة الرئيسية التي بحلها يتم حل المشكلات الأخرى، لا سيما إذا كنا نتطلع إلى حلول تستهدف الأجيال القادمة. وفي تقديري، فإن هذا المعيار هو الأصح إذا كنا نتحدث عن بداية جديدة للتغيير.. 

المبادرة مرتبة ومصاغة في عبارات واضحة تماماً مثل الصياغات التي نراها في أهداف التنمية المستدامة وخطة الألفية التي أعلنتها الأمم المتحدة، وفي غيرها من التقارير التنموية التي تصدرها وكالات الأمم المتحدة والهيئات الدولية الأخرى، بما في ذلك البنك الدولي. لكن إذا كان الهدف الأول لهذه المبادرة هو تقليص نسبة الفقر المدقع، والتي تمت صياغته في سياق التطور الذي شهده الفكر التنموي وبرامج تحفيز النمو الاقتصادي التي ترعاه تلك الهيئات الدولية، والتي تركز على مكافحة الفقر، يتعين علينا عند طرح مثل هذه المبادرة أن يكون لدينا تقييم دقيق وصادق لحقيقة الوضع الاقتصادي في مصر وما يترتب عليه من آثار اجتماعية وسياسية، ذلك أن السياسة بشكل عام، والتحليل السياسي بشكل أكثر تحديدا معني في الأساس "بما هو قائم" بالفعل على أرض الواقع، ويتعامل مع الأهداف المعيارية المستمدة من فكرة "ما ينبغي أن يكون" كمؤشرات لمقارنة لمقارنة الواقع بالمستهدف تحقيقه، وعليه فإن السياسة ممارسة وتحليلاً معنية بالسؤال "كيف" يمكن تحقيق الأهداف المعلنة في المبادرة؟ وإلى مدى يمكن لتلك الأهداف التي تحقق الهدف الأول لخطة الألفية وبرنامج التنمية 2030؟

لا يمكن الاختلاف على الأهداف التي تتطلع المبادرة لتحقيقها لكن من حقنا أن نتساءل، هل السياسات المتبعة من قبل الحكومة السابقة والمتوقعة من الحكومة الجديدة تساعد على تحقيق هذه الأهداف وبأي درجة؟ هل تساهم هذه السياسات والانفلات الحادث في السوق وما يواكبه من ارتفاع جنوني في الأسعار يكاد يكون يوميا، يزيد من مستويات الفقر  أم يقلصها؟ هل لدينا تقييم دقيق وحقيقي لمستوى إشباع الاحتياجات الأساسية، وهو من المؤشرات المهمة التي طورها البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة.

توقفت عند فقرة في مقدمة المبادرة تتحدث عن "بناء الوعى، وإعداد أجيال جديدة تترسخ لديها قيم الانتماء والولاء للدولة المصرية، والحفاظ على مقدرات الوطن والمشاركة بفاعلية فى عملية التنمية الشاملة ." هذه الفقرة تحتاج إلى مزيد من التوضيح الذي لا يترك لبسا لدى أحد. فبناء الوعي، يدفع للتساؤل هل الوعي المراد بناءه وعي زائف مفارق للواقع، أم أنه وعي ينطلق من إدراك للواقع ومشكلاته وتحدياته، وأولى هذه المشكلات يتعلق بتلك الفجوة القائمة بين الاحتياجات والموارد، وهي الفجوة التي تلزمنا دائما بتوجيه الموارد إلى القطاعات الأولى. وإذا كان التعليم يتصدر الأهداف المرجو تحقيقها، يكون من المشروع السؤال عما إذا كنا وصلنا أو حتى اقتربنا من النسبة من الناتج المحلي الإجمالي التي حددها الدستور للانفاق على التعليم والصحة؟

الحقيقة أن المبادرة تطرح تساؤلات أكثر من الإجابات، وربما تكون هذه نقطة إيجابية وضرورية إذ يتعين علينا تعزيز ثقافة التساؤل بديلا عن العقلية التي تبحث عن إجابة سهلة تستريح لها وتفصلها عن واقعها وعن واقع العالم الذي نحياه. أيضاً من النقاط الإيجابية في المبادرة تأكيدها مبدأ مشاركة المواطنين في تنفيذها، وهذه الدعوة للمشاركة تستدعي الإسراع في تنفيذ استحقاقات سياسية تتعلق بقانون المحليات وانتخاب المجالس المحلية وإدخال تعديلات على قانون مباشرة الحقوق السياسية وتعزيز وضع حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير وتسريع إجراءات إنهاء الحبس الاحتياطي.. فهذه هي البداية الحقيقية من أجل "بداية جديدة".
---------------------------
بقلم: أشرف راضي

مقالات اخرى للكاتب

صباحيات | صراعنا مع إسرائيل بين السردية الدينية والواقع